!نحن مصنوعون من غبار النجوم

“كل المواد الصخرية والمعدنية التي نقف عليها؛ الحديد في دمنا، الكالسيوم في أسناننا، الكربون في جيناتنا، كلها أُنْتِجَتْ منذ مليارات السنين في قلب نجم عملاق أحمر، نحن مصنوعون من غبار النجوم!” 

—كارل سيغان

عندما قام سيغان بنشر كتابه ١٩٧٣ بعنوان (الصِّلة الكونية: منظر من خارج الارض) “The Cosmic Connection: An Extraterrestrial Perspective” كانت هذه الجملة مطبوعة على غلافه والتي تبدو كنظرة شاعرية بعض الشيء للكون ولكن، ما الذي تعنيه؟ وكم بالضبط يشكل غبار النجوم منك انت؟

فبالإضافة لإمدادنا بالضوء والحرارة، تعد النجوم مصانعًا للعناصر، أصغرها وأبسطها الهيدروجين؛ الذي يتكون من بروتون وحيد وإلكترون، وهو من أبسط أشكال الغبار النجمي الذي وصفه سيغان، ويشكل مع الهيليوم (والذي يتكون من ذرتي هيدروجين) نتيجة الانفجار العظيم (The Big Bang)، وبهذا فإن كل شيء آخر في الكون؛ كل 
شيء اثقل من الهيدروجين والهيليوم تم صُنْعُه في نجم

تقضي النجوم معظم فترة حياتها في دمج الهيدروجين لتنتج الهيليوم في ما يُسمى بالنسق الأساسي لحياة النجم والذي يتضمن نجومًا متنوعة؛ بدءًا بشمسنا (والتي تسمى بالقزم الأصفر) لأقرب جار سماوي لنا؛ القنطار الأبيض أو (Proxima Centauri)، في النهاية بعض هذه النجوم تستطيع أن تصبح ضخمة كفاية لتقوم بدمج ما هو أكبر من ذرات الهيدروجين من خلال الحرارة والضغط الهائلين اللذان يتولدان فيها —حتى نجم أكبر من شمسنا بقليل— لتكون مثلًا عنصر الكربون من ثلاث جزيئات هيليوم، وعن طريق إضافة جزيء هيليوم آخر ينتج النيتروجين أو الأكسجين وتستمر هذه التفاعلات اكثر فأكثر مُنْتِجةً عناصر أكثر ثقلًا حتى نصل 

عنصر الحديد؛ العنصر السادس والعشرين في الجدول الدوري

صانعات العناصر هذه، مصادر الكربون والأكسجين والكالسيوم وعدة عناصر أخرى؛ يطلق عليها اسم العمالقة الحمراء أو (Red Giants) وهي ما كان سيغان يشير له في مقولته، ولكن القصة لا تتوقف هنا؛ نحن نعلم ان الكون -وأنت- مليؤون بعناصر أثقل بكثير من الحديد، ففي بعض العمالقة الحمراء، وأثناء مرحلة موتها الاخيرة، تنهار بواطنها وتزداد حرارتها لدرجة تتمكن فيها من دمج أنوية الحديد معًا لتكون عناصر بثقل البزموث (bismuth)؛ العنصر الثامن والعشرين في الجدول الدوري، الا أن معظم العناصر الثقيلة تأتي من شيء اكثر روعة؛ ما يُسمى بالمستعر الأعظم (Supernova)، فهذه العناصر تأتي للوجود فقط من خلال الانفجار الانهياري الأخير لنجم يحتضر مثل الذهب والفضة والرصاص واليورانيوم، كلها تم إنتاجها من قبل نجوم نفذ وقودها الجزيئي وانهارت كُتَلُها الضخمة على نفسها بفعل قوى الجاذبية، لتقوم بنثر ما تبقّى منها للكون على شكل سُحُبْ من الغاز والغبار، لتقوم هذه الغيوم بتشكيل نجومٍ أخرى وكواكب، وفي النهاية؛ أنت.

إذن، كم يشكل الغبار النجمي نسبة منك انت؟ لعلك سمعت أن جسدك يتكون بالمعظم من الماء؛ وهذا صحيح —يتكون جسم الإنسان العادي من حوالي ٥٣٪ ماء— كل جزيء منها يحوي ذرتي هيدروجين، يرجع أصلها للانفجار العظيم، بالإضافة الى مركبات أخرى كثيرة في جسدك بالطبع، ولكن العلماء يقدرون —وهذا لأنك تتكون بالمعظم من الماء— أن ذرات الهيدروجين هي أكثر الذرات شيوعًا في جسدك بنسبة ٦٢٪ من السبع مليار مليار مليار ذرة التي تجعلك انت، لذلك، اذا قمنا بالعد ذرة ذرة؛ انت ٣٨٪ غبار نجمي من دون حسبان الأكسجين والكربون والنيتروجين والكالسيوم والتي صُنِعَتْ في قلوب عمالقة حمراء مُسْتَعِرات عظمى منذ مليارات السنين.

لهذا، أنت، حرفيًا، مصنوع من غبار النجوم