Pages

الثلاثاء، 16 يونيو 2015


هــــــــل الــــــلّــــه مـــــوجــــــود ؟



الإنسان كائن اجتماعي بدرجة امتياز، فمدة طفولته الطويلة مقارنةً بباقي الثدييات واعتماده الكلي على الراشدين للرعاية وتلقي الخبرات تجعله تابع للكبار في سلوكياتهم وتوجهاتهم وافكارهم و...معتقداتهم أيضاً، وفي هذا الصدد معظمنا اطلع على تجربة علمية سلوكية شهيرة تسمى تجربة الخمسة قرود، حيث يتم وضع خمسة قرود في قفص مع موز في أعلاه وسلم يوصل إليه، وكلما حاول أحد القرود الخمس صعود السلم وتناول الموز كلما تم توجيه دفق شديد من الماء البارد عليه وعلى باقي القرود، بتكرار العملية يعي القرود مقدار الأذى الذي يحصل لهم عند محاولة أحدهم الوصول إلى الموز ويتوقفون عن المحاولة، حينئذ يقوم الباحثون بإستبدال قرد جديد بآخر من الخمسة، قردنا الجديد سيسعى غريزياً لصعود السلم طامعاً في وجبة موز مجانية، لكن القرود الأربعة الخبيرة والعالمة بعواقب هذا التصرف تقوم فوراً بإثناء القرد الجديد عن ذلك حتى يصل الأمر إلى ضربه تفادياً لدفق الماء البارد الذي سيؤلمهم، وهكذا في كل مرة يتم استبدال أحد القرود التي شهدت عملياً العقاب المائي بآخر لم يشهد أياً من ذلك ولكنه يمتنع عن محاولة أكل الموز تفادياً لغضب القرود الأخرى، حتى يصبح القفص يحتوي على موز وسلم وخمسة قرود ترفض أكل الموز لأنها شهدت من قبلها يفعل ذلك بانضباط ودون أن تعرف سبب امتناعها عن تناول الموز اللذيذ على الإطلاق، الآن..لا ينقص هذا القفص إلا قرد سادس يدعي أن الأجداد إنما تجنبوا الموز خشية الله وشلاله البارد..وأن من يتقيه ويطيعه سوف يجازيه بجنة أبدية مليئة بالموز بالإضافة إلى فواكه لم تخطر على قلب قرد.
الجنة
من المعروف أن الإنسان لجأ إلى اختراع الآلهة ومن ثم الإله كمحاولة بدائية لتفسير ألغاز الطبيعة، فكل الظواهر الطبيعية كانت تعتبر ألغاز بالنسبة إليه لا يجد لها تفسيراً إلا أن هناك قوة ما خفية تحدثها، وباكتشاف النار والزراعة استقر الإنسان وتشعبت احتياجاته مما استدعى بيئة معطاءة تتناسب مع ضرورات بقائه ولا تفاجأه بالكوارث المتنوعة، ولهذا بحث عن وسيلة ما يسترضي بها تلك القوة فظهر الدين، المدهش أن حتى انسان النيادرتال قد عرف طقوس دينية ما، حيث وجد في مقبرة عبارة عن كهف أرضي عميق ضم عظام تنتمي لذلك الإنسان بقايا بتلات زهور كعلامة على أن طقساً ما تم عند التوديع، ويبدو أن ذلك استمر دون أن تعبأ الآلهة بأي من تلك الطقوس حيث كان جزاء انسان النيادرتال أنه انقرض مخلفاً بعض العظام وبتلات الزهور.
gallery_125528_06_02_2009
لكن العلم تقدم واصبح كثير من الظواهر الطبيعية مفسرة ومعروفة الأسباب فبعد أن كانت الأمطار والزلازل ونحوهما تُنسب للآلهة ثم للإله مباشرة أو ملائكته بتعليمات منه، نجد ذلك في كافة الظواهر الطبيعية التي ينسبها الله إلى نفسه فهو الذي صنع الجبال ويسيّر السحاب وينزل المطر...وهكذا، لكن عندما بدأ العلم يحرج المؤمن بإظهاره للأسباب الطبيعية والحقيقية التي تؤدي إلى ذلك وضع كافة النتاج التاريخي لدينه ومروياته على الرف وأخذ يروج أن دور الله في ذلك يقتصر على الدور غير المباشر عن طريق المشيئة فقط بينما تتكفل الأسباب الطبيعية التي يرصدها العلم بالتنفيذ، وهكذا هرب من المأزق بطرح الأسئلة الكلية، مثل من خلق الكون؟ من خلق الكائنات؟ من يميتنا ويحيينا؟....إلخ، وبدلاً من البحث الجدي لإجابات حقيقية يتم وضع كائن خفي من ابتكار الخيال يُعتبر المسبب بلا سبب وانتهينا!
لهذا تتحاشى الأديان عموماً التفكير في المسألة وترى أنه انحراف خطير، وهذه عبارة عن ردة فعل استباقية من الأديان لمنع الأتباع من اكتشاف الخديعة، محمد مثلاً حسم الموضوع فوراً فقال (‏إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلق السماء فيقول الله عز وجل فيقول من خلق الأرض فيقول الله فيقول من خلق الله فإذا أحس أحدكم بشيء من هذا فليقل آمنت بالله وبرسله) ولا داعي للإحراج.
مع ذلك يصر المؤمن على أن الكون مخلوق لا محالة، مستنداً على علاقة السببية فلا يمكن أن يكون هذا الكون قد تشكل إلا بمسبب، وهذا كلام خاطيء ابتداءً لأن علاقة السببية تقتضي وجود الزمن كأحد روافدها..هكذا: سبب-زمن-نتيجة، والزمن لا يمكن اعتباره موجوداً أو قد بدأ إلا بوجود الكون نفسه الذي يعد الزمن أحد أبعاده الأساسية، بالتالي فإن تطبيق علاقة السببية على نشأة الكون فيه مغالطة صريحة لكن حتى عندما نقبلها كقاعدة جدلاً ونسأل فمن تسبب في وجود الله إذن نجد المؤمن يلقي بالقاعدة التي تمسك بها في سلة المهملات مباشرة قائلاً أن الله خالق وأول وآخر وهو خارج الكون وواضع لقوانينه وبالتالي فلا يمكن تطبيق علاقة السببية عليه، وهو بهذا التصرف غير المنطقي يترك علاقة السببية تسقط عند أول امتحان. 
لا شك أن الكون غامض وسبر أغوراه لا تنتهي، وواضح أننا مثل تشبيه زوربا في الرواية الشهيرة: مجموعة من النمل على ورقة في شجرة عملاقة من وصل منا إلى حافة تلك الورقة وأطلق نظره نحو الأفق أخذته الهيبة والحيرة واستنفر كل خلايا مخه للبحث والدراسة نحو الحقائق وليس الخرافات، ولهذا أنا أتفهم أي طروحات ترى وجود كيان غائب عن إدراكنا عاقل أو غير عاقل له دور في نشأة الكون وبدون أن يبالي بنا بالضرورة، ولكن كل هذا بعيد جداً عن آلهة الأديان المشخصنة والخرافية التي لم نرها تخلق كوناً ولم نشهد لها فعلاً أو قولاً، ومع ذلك يُلصق بها المؤمنون كل القدرات حتى يجدون شيئاً يعبدونه كنوع من العلاج النفسي بالأوهام.
mly0198l
لم يبق لدى المؤمن والحالة هذه إلا أن يتمسح بالعلم قائلاً أن نظرية الإنفجار العظيم تؤكد أن الكون حادث أي له بداية بينما الله قديم أزلي غير حادث، وحسب هذا الطرح لدينا عدم ثم مُحدث ثم حدث وهو خلق الكون، بينما محمد يقول أن الله كان عرشه على الماء قبل أن يقوم بعملية الخلق، والعرش والماء ليسا عدماً لكن قلتُ لكم أن المؤمن تعود على وضع كل مروياته الدينية على الرف عندما يضيق المجال ويلجأ إلى الحجج المجردة، فالحقيقة أن العدم بمعناه الحرفي محال الوجود، والعلم والمنطق لا يعرفان إللاشيء ولا يمكنهما تحديده أو إظهار نموذج له، فالمادة لا تفنى حتى تصير عدماً بل هي باقية دوماً وفي صور مختلفة، ونظرية الإنفجار العظيم لا تقول أن الإنفجار بدأ من العدم كما أنها لا تنتهي إلى هنا بل تقول أن الكون لازال متأثراً إلى اللحظة من جراء هذا الإنفجار الهائل وما أن ينتهي هذا التأثير فإن التراجع إلى نقطة الصفر مجدداً وارد جداً تحت وطأة الجاذبية وانتهاء تأثير الإنفجار ثم تعاد الكرة مجدداً، فالكون أزلي لا نهائي، وكل شيء موجود أصلاً، وأجمل تعبير في هذا الصدد هو إجابة ستيفن هوكينج حسب ويكبيديا وذلك عندما سئل:ماذا يأتي قبل الانفجار العظيم، فأجاب (هذا السؤال يشبه سؤال :ما المكان الذي يقع شمال القطب الشمالي؟)
بدل الانفجار العظيم
هنا يبدأ المؤمن في الضحك متعجباً كيف يكون هذا الكون المنظم والدقيق موجود دون موجد؟! وينسى مئات الصفات البارعة التي ينسبها إلى الله بصفته قادر ومنظم ودقيق بدوره ولكن لا موجد له! ثم من قال أن الكون منظم ودقيق؟..هل لدينا كون آخر يمكن مقارنته بهذا الكون حتى يمكننا تحديد مدى دقته ونظامه مقارنةً بغيره، إن النجوم تنفجر إنفجارات هائلة تنسف كل ما يجاورها مشكلة مجموعات تشبه مجموعتنا الشمسية والمجرات تتصادم في فوضى عارمة وثمة ثقوب سوداء تلتهم كل شيء حتى الضوء ، بينما الشهب والنيازك والبراكين والزلازل لا تعبأ بأي نظام في خضم كون مترامي الأطراف بشكل تبذيري مذهل وهو مليء بالجماد والحياة العاقلة فيه استثناء إلى حد يشكك أن هناك أي تعمد في نشأتها، ولكنه موجود وملموس دون الحاجة إلى برهان حيث يمكن رصده ومتابعته والبحث في أسراره على عكس الله الذي لا يجد المؤمن أي مشكلة في وصفه بأنه أزلي ولانهائي دون أن يقدم برهاناً واحداً على وجوده من الأصل!
Cover

لقد عشنا على هذه الأرض ملايين السنين ونحن كائنات اجتماعية فمن عاش مع الجماعة واعتنق أفكارها تمتع بامتيازات الحماية والتعاون والرعاية ومن لم يفعل حُرم من ذلك حتى أصبح ذلك جزء من جيناتنا نتوارثه ونورثه، ومدة طفولتنا الطويلة نسبياً مقارنةً بباقي الثدييات واعتمادنا الكلي على الراشدين للرعاية وتلقي الخبرات تجعلنا تابعين للكبار في سلوكياتهم وتوجهاتهم وافكارهم ومعتقداتهم أيضاً، وماداموا يرون أن هناك صانع للدنيا أزلي صنع الكون ثم اختفى فسوف نصدق هذا حتى لو بقى الموز معلقاً بأعلى القفص دون أن يعرف سبب عدم تناوله أحد.
45981_107892555933856_100001393359050_71733_2373899_n

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Free Tail 2 Cursors at www.totallyfreecursors.com
A:hover{cursor: url("http://downloads.totallyfreecursors.com/cursor_files/tail2.ani"), url("http://downloads.totallyfreecursors.com/thumbnails/Tail2.gif"), auto;}
Free TUNISIA Cursors at www.totallyfreecursors.com
Free Tail 2 Cursors at www.totallyfreecursors.com