Pages

الثلاثاء، 16 يونيو 2015

لماذا توقف الله عن التدخل؟


إن الله ( وأنا أعني بهذه الكلمة إله الأديان بصرف النظر عن الاختلافات الجوهرية بين آلهة الأديان المتعددة ) يدعي أنه يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في هذه الدنيا ناهيك عن عوالمه الأخرى الخفية لما بعد الموت.
فنظرة يسيرة على أدبيات الأديان وعلى رأسها الإسلام نجد أن الله كان متحمساً جداً للبرهنة على وجوده بطريقة التدخل المباشر في الأحداث وتحويلها لصالحه ، فنجده مثلاً قد أرسل الغراب خصيصاً ليُري قابيل كيف يقتل أخيه ، وغطى الأرض بأكملها بطوفان عارم لأن قوم نبيه نوح قد كفروا به ، وأباد عاد وثمود معاً ، ورفع عيسى إليه بينما شبّه آخر به كي يُصلب ، وأفنى قوم لوط بأجمعهم لأنهم كانوا مثليين ، وأغرق جنود فرعون بأسرهم ليوقفهم عن مطاردة نبيه ، وبعث الخضر ليثقب سفينة ويقتل طفلاً ويرمم جداراً لمجرد تعليم موسى والبشرية بوجود الله وعلمه المحيط بكل شيء ، وأمدَّ قوات محمد في بدر بالملائكة المسومين بقيادة جبريل شخصياً الذي كان يقاتل على فرسه الخاصة دون أن تعرقله أجنحته التي تعد بالمئات ، واسم الفرس بالمناسبة هو (حيزوم)!

لاحظوا حماسة الله ليتدخل في مجريات الأحداث بشكل مباشر وصريح ..
وإذا كانت التدخلات التي سردتها كأمثلة مرتبطة بوجود أنبياء مبعوثين على الأرض في تلك الآونة فلماذا إذاًَ توقف الله عن إرسال الأنبياء وبالتالي يتمكن من مواصلة معجزاته وتدخلاته حمايةً للمؤمنين ونصرةً لمنهجه ودينه؟!.

وعلى أي حال .. هناك غير هذه الأحداث كثير جداً حدثت وتحدث حسب مصادر الأديان دون أن يكون هناك أي نبي محدد مبعوث ودون ارتباط بوجوده ، ، فقد قام الله بحماية كعبته من فيل أبرهة عن طريق إرسال طير تحمل حجارة ناسفة ، وقام بعمليات خسف وحرق كثيرة ، وأطلق الصيحة والهدة على أقوام كُثر غابرين ولازال يتوعد القادمين.
ولم يكتف الله بالإفناء الجماعي عند وجود أسباب له ، بل قام بتهيئة هذه الأسباب بنفسه ، كأن يأمر الأثرياء من سكان المكان المستهدف بحيث يفسقوا فيه ويعصونه حتى تتاح له فرصة ممارسة هوايته في الإفناء والدمار.
(وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرًا)

إذاً إن القول بأن الله كان يتدخل خلال وجود أنبياء له على الأرض حصراً وفقط هو قول مردود ، وهذه الآية التي يتفرغ فيها الله بنفسه للظهور لفرد واحد..شخص..عابر.. أكبر برهان على أن تدخلات الله ومعجزاته مستمرة قديماً ودائماً بصرف النظر عن وجود نبي من عدمه:
(أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثتُ يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير)
 

أما القول أن الله يمهل ولا يهمل ، فالأصح أن نقول بأن الله يهمل ولا يمهل ، فالإمهال إذا طال يتحول إلى إهمال بلا شك ، سيما وأن ما يستدعي التدخل الإلهي في الأرض أكثر من أن يحصى وقد مر عليه دهور طويلة والإمهال يفترض به أن يكون قد انتهى ، فضلاً عن أن الأحداث التي كان يتدخل الله فيها تدخلاً مباشراً حسب الأديان لم تكن تتضمن ذلك الإمهال المزعوم بل كانت عاجلة وقاصمة وواضحة الدلالة على أن الذي قام بها هو الله بالذات.
من كل هذا يتبين لنا ماضي الله النشيط للتدخل المباشر في أحداث الأرض وحياة الأفراد ، حيث تتفق الأديان تقريباً على أن لله أوامر ونواهٍ يريد من البشر تنفيذها على الأرض ، وفي حالة عصيانهم أو كفرهم بذلك فإن عقابهم سيكون بالشي الأبدي في النار مع ما يلزم من سوائل حارقة للشرب فضلاً عن استبدال الجلود دورياً ، لكن في نفس الوقت لم يكتفِ الله بهذه العقوبة التي ستجري في مكان لاحق مجهول وخفي..بل يصرّ في جميع أديانه أنه أيضاً يتدخل في الدنيا فيقتل ويبيد ويدعم ويحمي ويفعل أشياء كثيرة ذات نتائج تظهر للناس ويلمسونها.
السؤال: لماذا توقف الله الآن عن تدخلاته السابقة؟
إن الأسباب التي تدخل من أجلها في الأرض والتي سردت منها مجموعة على سبيل المثال لا الحصر لازالت متوفرة في عصرنا الحاضر بكثرة ، فإذا أخذنا قوم لوط مثلاً لوجدنا أن مثليي هولندا أكثر عدداً من مثليي قوم لوط ، وإذا أخذنا ما قامت به عاد وثمود من علو في الأرض مثلاً فإن ما قامت به أمريكا يعتبر أضعاف مضاعفة ، وإذا أخذنا ما قام به أبرهة من محاولة تهديم الكعبة مثلاً فإن ما قام به الحجاج هو تهديم فعلي وليس محاولة ، وإذا أخذنا ما قام به مترفو القرية التي يأمرهم الله بالفسق فإن ما يقوم به بعض الأثرياء في بلدان العالم اليوم هو أشد أنواع الفسق.....والقائمة تطول جداً حتى أن المجال يضيق عن سرد الأمثلة.

  

فماذا ينتظر الله ليتدخل بعد كل هذا؟!

إن ما قد يحصل من زلازل وبراكين وأعاصير وكوارث طبيعية أخرى هنا وهناك لا يمكن نسبتها للتدخلات الإلهية في الأرض ، فهذه الأحداث تتسم بعشوائية واضحة للعيان، وتستند في حصولها على أسباب مادية أصبحت معروفة ويمكن رصدها بسهولة ، ولا تستهدف الكفار والمنافقين بل تقتل الأطفال الأبرياء بالجملة ، وتنسف المساجد ودور العبادة وحتى المقابر وأحياناً الأماكن الخالية ، وهي ليست معجزات إلهية بالتأكيد لأنها لا تتصف باستهداف صريح لأي من أعداء الله في الأرض وبالتالي يضيع المغزى والاعتبار منها حتى لو سلمنا أنها معجزة وتدخل إلهي فتتحول إلى مجرد كارثة طبيعية لا شأن مباشر لله بها.

لهذا يشعر الدينيون خصوصاً المسلمون في المنطقة بأن الله خذل إيمانهم به ، فهم عندما يقرأون القرآن ويطلعون على الأحاديث ويستمعون إلى الخطباء وفقهاء الدجل يجدون أن الله كان مهتماً بشكل كبير بالأحداث الأرضية ويتدخل بشكل مباشر ومتكرر ، ولكنهم لا يلمسون أياً من هذا في حياتهم المعاصرة مما يوقعهم في حيرة مؤلمة لا سبيل للتخلص منها إلا باعتبار أن الله لازال يتدخل بشكل ما غير مباشر.
كيف؟
ألله أرسل آخر أنبياءه ثم اختفى كليةً وترك من يأتي بعد ذلك تائهاً معتمداً على أقاويل من سبقه ، وبالتالي توقف الله عن وضع يده في الدنيا بشكل مباشر واستبدل ذلك بوسائل أخرى تتماشى مع العصر! ، فعندما يمرض إنسان أو يحصل له حادث سير أو يصاب بالفقر بعد غنى أو يصاب بمصيبة ما... تجد المسلمين في أحاديثهم يستدعون ماضيه ويسبّحون ويحوقلون على اعتبار أن هذا تدخل إلهي تم إما بمعاقبة الشخص المعني لارتكابه معصية ما وإما ابتلاءً له لأن الله يحبه لمدى إيمانه والتزامه بأحكامه!

أي أن الله قام بتغيير تكتيكاته الأرضية فبعد أن كان يتدخل بشكل مباشر عن طريق الإصابة بكوارث إلهية جماعية أو فردية ويبتكر معجزات لإبراز براهين على وجوده حتى للأشخاص منفردين هاهو أصبح يكتفي الآن باستخدام الآليات التقليدية للحياة المعتادة على الأرض لمصلحته ، فيتدخل بشكل غير مباشر لتحقيق أهدافه .
وهذا رغم أنه محض هراء إلا أنه يمكن قبوله لولا أن الله حسب أدبيات الأديان مختلف عن ذلك اختلافاً كبيراًً ، فهو وإن كان يُمرض ويصيب ويقتل ويرفع ويخفض وفقاً لآليات الحياة الطبيعية للبشر فإنه أيضاً لم يكن يكتفي بهذا قط ، بل كان يبيد ويخسف ويُغرق بنفسه وبشكل إعجازي جماعي ، ناهيك عن تفرغه لأفراد معينين على حدة وتوقيع معجزات من خلالهم حتى يعلم الناس أنه الحق.

فلماذا توقف الآن؟
ألا يرى ما جرى لكتابه المحبب على أيدي الكفار وما جرى لرسوله المفضل في الدنمارك؟
ألا يرى ما جرى للفلوجة وكابول ويجري لغزة؟
ألا يحرك شعرة في رأسه _إن كان لله شعراً ورأساً مثلما أن له يد وساق_ ما يجري من فسق وإنحلال في بقاع الأرض؟
لماذا لا يتدخل كما تدخل في أصحاب الناقة وأصحاب الكهف أو أي أصحاب سابقين؟
لماذا لا يدمر وينسف ويخسف بأيٍ من هذه البقاع التي تحاربه سراً وعلناً ولو مرة واحدة؟
ما علاقة جزيرة ساموا ليرسل عليها تسونامي جديد الآن بينما يزحف أطفال في العالم على بطونهم من الجوع والمرض بسبب فساد الدول ونهب خيراتها لمصلحة أقلية؟!
ألا يستحي هذا الإله المزعوم وهو يحدثنا عن قدراته وعظمته وتدخلاته المتكررة على مر التاريخ لصالح أديانه المتصارعة وأنبياءه وأحباءه من المؤمنين والمستضعفين بينما نجده الآن كالأعمى الأصم الأبكم المشلول الذي لا يكاد يحسن عمل أي شيء؟!

أمام هذا الوضع المحرج ليس أمام المؤمنين إلا أحد خيارين:
إما أن الله قد مات أو ملّ أو غيّر رأيه وما ذُكر عن تدخلاته السابقة في الأديان صحيح.
وإما أن الله لم يسبق له أن تدخل أو غير موجود أصلاً والأديان خرافات.

وفي جميع الأحوال سوف يستمر المؤمن المخلص ينتظر ويعلق على قدرات الله الآمال العريضة ، وسوف يتمنى من إلهه التدخل كل ليلة مثل تلك الزوجة المسكينة ، بينما الله يجيبه مثل صاحبنا ابوالعربي بالضبط : (ما تخافيش وراكي راجل).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Free Tail 2 Cursors at www.totallyfreecursors.com
A:hover{cursor: url("http://downloads.totallyfreecursors.com/cursor_files/tail2.ani"), url("http://downloads.totallyfreecursors.com/thumbnails/Tail2.gif"), auto;}
Free TUNISIA Cursors at www.totallyfreecursors.com
Free Tail 2 Cursors at www.totallyfreecursors.com